قد تبدو حكايته جديدة، هي كذلك بالنسبة لمن لم يذق مرارة السجن
وغياهبه، هي كذلك لمن لم تصطدم قامته يوما بقامات المحققين، حتى
السجانين الذين يحترفون هدم كل ما يعتز به أي إنسان من كرامة، وتحد،
وعزة نفس، ورغبة في الحياة والصمود؛ وذلك بإجبار المعتقل على الاعتراف
المذل، وبالتالي إصابته في مقتل يفوق سنوات السجن التي يعاقب من خلالها على اعترافاته.
لكنها، أي الحكاية، تشبه قصص آلاف المخدوعين، تختلف في الزمان
والمكان والشخوص وكذلك النتائج، وتتفق في التفاصيل والأهداف، ولن تسمعها
رغم ذلك من كثير من المخدوعين الذين يرفضون الاعتراف بخدعتهم، وطبيعة
التضليل الذي تعرضوا له، وبالتالي سذاجتهم أمام عدو يستغل الوسائل كافة
في سبيل هزيمة صمودهم.
هذه القصة ارتأى صاحبها أن يكتبها، قصة بسيطة من بين آلاف القصص
التي أنتجها الاحتلال والأسرى داخل مفارقة تشبه الحياة والموت، هي
مفارقة الأسر والحرية، الصمود والانهيار، لم يشأ صاحبها إبقاءها طي
الكتمان في صدره فقرر الانطلاق من بئر صمته إلى صدورنا وعقولنا في
محاولة تجريم محتل، وإنقاذ أخ مرشح ليعيش الظروف ذاتها.
هذه الرواية تشترك أحداثها حتى النهاية التي تتكشف آثارها رويدا
رويدا، وقد تخرج بطلا لا مفتاح لسرك، وقد تصبح جسدا بلا ورقة توت
تحمي عورتك، تضرب رأسك بالجدران التي تأسر حريتك، تبكي بصوت
يقطع صمت المكان المظلم، بعد أن تكون نياط قلبك قد قطعت
خلال ندمك في موقف لا ينفع فيه الندم.
قصة أسير فلسطيني في "غرف العصافير" (1)
"غرف العصافير".. رسم لصورة المكان ونزلائه
ما هي "غرف العصافير"؟
يعترف العاملون في أجهزة الأمن للحركات الفلسطينية
المختلفة بأن النسبة العليا من اعترافات المعتقلين الفلسطينيين
في التحقيق تنتزع في "غرف العصافير".
وقبل الغوص في تفاصيل غرفهم لا بد من الإجابة عن سؤالين
مهمين؛ الأول: من هم العصافير؟ والثاني: لماذا العصافير؟
. والأول بطبيعة الحال يدلل على السؤال الثاني.
للإجابة على السؤال الأول يجدر بنا تعريف "العصفور" في لغة
السجن والسجان والسجين على السواء، وهو عبارة عن شخص
عربي تعامل مع الاحتلال ورضي على نفسه -لسبب أو لآخر لسنا
بصدده الآن- أن يكون أداة في يد الاحتلال ضد أخيه، وابن جلدته.
ومن واجبات "العصافير" الأساسية القيام بخداع المعتقل، متظاهرين
أنهم من المعتقلين وأصحاب الأحكام العالية من أجل الحصول على
اعترافات المعتقل بعد أن يكون رجال المخابرات قد عجزوا عن ذلك
باستخدام أساليبهم التقليدية، وهم في سبيل ذلك يعيشون في أجواء
مصطنعة بنفس أجواء المعتقلين، ويطبقون أنظمتهم، وطرق إدارتهم
لشئون حياتهم، كي يسهل تأثيرهم على المعتقل من خلال كسبهم لثقته،
وذلك بهدف أن يتكلم عن نشاطه السياسي أو الأمني بعد أن يكون
المحققون الإسرائيليون قد فشلوا في انتزاع اعترافات منه.